يأتي الجمال ضمن أكثر المفاهيم والأشياء التي تقبل الأخذ والرد والنظرة المختلفة، ولا يمكن تناولها من وجهة نظر واحدة، على اعتبار صعوبة ضبط مفهوم الجمال وفق معايير دقيقة صارمة، وذلك ببساطة لأنه يتعلق بطبيعة الاختلاف القائمة في المجتمعات البشرية، وفي نظرة أفراد تلك المجتمعات تجاه فكرة مثيرة كـ “الجمال”.
وبالاتفاق حول ما يكون مستهجنًا في مجتمع ما ربما يكون جميلًا في مجتمع آخر، نجد أن المفهوم لكلمة عادي لدى غالبية الناس لا يعني الوصول إلى أحد مستويات الجمال وإنما بلوغ الحد الطبيعي من كل شيء، والتي ربما تخلق في نفس المتلقي شعورًا سلبيًا بالتمييز والإبعاد، وتتبنى شركات صناعة التجميل والعناية الشخصية مفهوم العادية عبر استخدامها لهذه الكلمة على المنتجات والعبوات التجارية سواء لوصف الشعر أو البشرة، وبالنظر إلى دراسة جديدة نشرت حديثًا وأجريت لصالح شركة “يونيليفر”، وشملت 10 آلاف شخص في تسع دول في قارات مختلفة، شملت: البرازيل، الصين، الهند، إندونيسيا، نيجيريا، السعودية، جنوب إفريقيا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية؛ أكد 52% من المشاركين أنهم يهتمون بموقف الشركة من المسائل المجتمعية والاجتماعية قبل شراء المنتجات، فيما اتفق 70% من المستطلعين على أن استخدام كلمة “العادي” في تغليف المنتج والإعلان عنه يحمل تأثيرات سلبية، وارتفعت النسبة إلى 80% بين شريحة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (18-35) عامًا.
ويكشف الاستطلاع أن هذا التأثير السلبي يأتي نتيجة الشعور بالتمييز وأن المستهلك خارج دائرة الاهتمام، وأن هذه المنتجات مصممة وفق معايير محدودة تفرضها الصورة النمطية في المجتمع، وتضيق الخناق على مفهوم الجمال الواسع والأكثر شمولية.
ومثلما تسهم العلامات التجارية في صناعة التجميل والعناية الشخصية في إطلاق وترويج وتداول مفاهيم محددة عن الجمال، فهي تملك القدرة على إحداث فرق حقيقي، وذلك عبر قوتها الإعلانية وصورتها المطبوعة في ذهن مئات الملايين من زبائنها، بحيث يمكنها معالجة المعايير والقوالب النمطية السلبية، والدعوة إلى رؤية بعيدة عن التمييز تركز على الجمال الإيجابي.
وهذا ما اعتمدته شركة “يونيليفر- ” التي أجرت الدراسة أعلاه وقررت إزالة كلمة “العادي” من جميع عبوات علاماتها التجارية الخاصة بالجمال والعناية الشخصية، وتبنت رؤية واستراتيجية جديدة تحمل اسم “الجمال الإيجابي”، حيث اعتمدت سياسة مستدامة وعادلة تفتح المجال أمام حقبة مختلفة تتسم بالإنصاف، وترتكز على تقديم منتجاتها بمفهوم الإيجابية، حد أنها تعتمد التوقف عن القيام بأية تعديلات على الصور المستخدمة في الإعلانات، لأن الصورة بشكلها الأولي هي دلالة على “الجمال الإيجابي”.
يقول “صني جين” رئيس قسم الجمال والعناية الشخصية في يونيليفر “نعلم أن إزالة كلمة العادي من منتجاتنا وعبواتنا لن يؤدي بمفرده إلى حل المشكلة، ولكنها خطوة مهمة، وهو مجرد إجراء ضمن حزمة التزامات قطعتها الشركة على نفسها لخلق تأثير حقيقي وواقعي، في إطار رؤيتنا للجمال الإيجابي، ونحن لا نهدف من ذلك تقليل الضرر فقط، بل تحقيق المزيد من الخير لكل البشرية”.
ويمكن تعميم هذه التجربة لتحفيز الشمولية، وإنهاء التمييز، وتعزيز العدالة بين الجنسين، وذلك بسبب الحاجة إلى تكوين مجتمعات تحفل بالتنوع والصفات والأفكار الفريدة التي يقدمها كل شخص، وتعيد صياغة مفاهيم الجمال لنقض فكرة أن الجمال استثناء.
ما سبق يشير إلى أن المبادرات غير النمطية، وطويلة المدى تساعد في القضاء على الصور السلبية في صناعة الإعلانات، وتخلق تأثيرًا حقيقيًا وقابلًا للقياس كما تفعل شركة “يونيليفر” عبر منتجاتها، وتبث حالة من الإحساس الإيجابي يستشعرها المستهلك عند استخدام المنتجات التي تقدمها علامة تجارية تهتم بالجوهر والمظهر، وتسهم في نضارة وإشراقة الأفكار الخاصة بين الشخص وذاته ومع غيره، لأن الكلمة بالغة الأثر والقيمة، وتمثل بداية رحلة التغيير الملهم والمبهج.