مع نشأة الرجال والنساء واستمرارهم في التحصيل العلمي والثقافي، يتنامى لديهم الطموح لممارسة دورهم في الحياة والعمل الذي يحققون من خلاله هذا الطموح، مع اختلافهم في مدى نجاحهم في تحقيقه – على الرغم من أن الدراسات تشير إلى أن النساء أقدر على تحقيق مستوى إنجاز يفوق ما يمكن أن يحققه الرجال !
وباستقراء واقع الصناعة الفندقية في الشرق الأوسط، سنلاحظ أنه على الرغم من أن وجود النساء العاملات في هذه الصناعة ليس بالأمر النادر، إلا أن وجودهن في المستويات الإدارية والتنفيذية العليا قد بدأ بالتناقص. إذ ما أن تصل المرأة العاملة في القطاع الفندقي إلى مستوى معين وتمضي فيه، حتى تغادر العمل أو تبادر إلى الالتحاق بعمل آخر، أو التفكير في إنشاء عائلة. والسبب ربما وراء هذا هو طبيعة ساعات العمل الممتدة من التاسعة حتى الخامسة والتي تجعل من الصعب عليهن الجمع مابين العمل والعائلة. وبالنظر إلى الصورة من منظار أوسع، نجد أنه على الرغم من أن العمل في القطاع الفندقي يمكنه تأمين فرص فريدة للمرأة، إلا أنه ينطوي على تحديات على صعيد المساوة بين الجنسين.
ومع أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، حرصت مجموعة فنادق راديسون العالمية على دعم نمو المرأة في هذا القطاع من خلال تمكين الأجيال الشابة وتشجيعهم على تحقيق أحلامهم على المستوى الوظيفي، وصولا نحو هدف يتمثل في تحقيق ما يسمى ” القيادة المتوازنة ” من خلال زيادة مشاركة المرأة في المناصب العليا في هذا القطاع الحيوي، وتخطي الحواجز التي تمنعها من التعبير عن نفسها والتكلم بحرية حول أحلامها، وتشجيعها على إخراج أفضل ما لديها من مواهب وقدرات قيادية في بيئة العمل.
تهدف مبادرة ” القيادة المتوازنة ” التي طرحتها المجموعة إلى تشجيع التنوع والإندماج في مكان العمل. وتقوم هذه المبادرة ( البرنامج ) على أساس استراتيجية مؤلفة من ثلاثة محاور موجهة أساسا لمعالجة المشاكل التي تعوق التنوع وإشراك المرأة في المستويات الإدارية العليا، وبرامج القيادة، والسياسات القائمة على الاحتواء، والوعي بأهمية المشكلة من الأعلى إلى الأسفل، بما في ذلك كيفية تخطي العقبات التي تعوق تقدم المرأة في مجال الأعمال. وتقود هذه المبادرة شخصية متميزة وهي السيدة/ ستيفاني أبو جودة، مديرة التسويق والاتصال في مجموعة فنادق راديسون الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد كانت إحدى مملثي برنامج المجموعة حول القيادة المتوازنة منذ انطلاقه في عام 2014، كما اعتبرت القوة الدافعة وراء هذا البرنامج الرامي إلى تحقيق ريادة المرأة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
وفي هذا السياق، صرحت أبو جودة قائلا: ” رغبة منا في تحقيق المزيد من التأثير، فقد حرصنا على التركيز على إشراك جميع المعنيين لضمان وعيهم بأهمية القيادة المتوازنة، بالإضافة إلى التركيز على التعليم وتغيير العادات والأفكار السائدة واستقطاب المتميزين والمتميزات من جميع القطاعات والمجالات، وحتى لا ينظر إلى البرنامج على أنه معني بالمرأة لوحدها. في كل قسم من أقسام المجموعة هناك رجال ونساء على قدر متساو من الأهمية قادرين على الاستفادة من التنوع، بل حتى الضيوف والنزلاء لدينا هم شركاء في البرنامج أيضا. أستطيع القول أن خلاصة القيادة المتوازنة والبنية الإدارية لأي شركة أو مؤسسة تؤدي في النهاية إلى تحقيق الربح والاستدامة. “
وانسجاما مع نفس المنطق، تعتقد أبو جودة أن الأمر لا ينطوي على تحد معزول ضمن القطاع الفندقي، بل أمر كانت النساء يعانين منه في كل دول العالم وفي جميع القطاعات، وليس فقط القطاع الفندقي. وعلى الرغم من زيادة معدلات المشاركة في سوق العمل على مستوى الشرق الأوسط على مدى السنوات السابقة، إلا أن النساء بقين على هامش هذا السوق بالرغم من تحصيلهن العلمي العالي وتفوقهن على الرجال في اختبارات التوظيف. وبالنظر إلى منطقة الشرق الأوسط، تشير الدراسات إلى أن النساء غير ممثلات بالصورة المطلوبة في القطاع الفندقي، إذ لا يوجد سوى 5% من الشركات ممن لديها مديرة واحدة، و4% من تلك الشركات لديها أغلبية من المستثمرات. وبالمقارنة مع مناطق أخرى من العالم، نجد أن منطقة الشرق الأوسط تفتقر إلى المرونة عند التعامل مع الموظفات اللاتي يضطرين لأخذ إجازات أمومة، وما يدلل على هذا الأمر هو دراسة منظمة العمل الدولية التي تؤكد على أن المنطقة تعد من المناطق التي لا تحظى فيها المرأة العاملة سوى بإجازة أمومة تصل بالمتوسط إلى 9.2 أسابيع فقط. يذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة تصل فيها إجازة الأمومة إلى 6.4 أسبوعا فقط، مما يشير إلى أن القطاع الفندقي لا يحظى سوى بالحد الأدنى من الميزات المطبقة في هذه الناحية .
ومع أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وكيف يمكنه التأثير على القطاع بأكمله والمسؤولية تجاه النساء العاملات، سعت المجموعة إلى انتهاج سياسة مميزة تقوم على منح ستين يوما كإجازة أمومة للنساء العاملات في فنادق المجموعة في الإمارات وعمان وقطر، وسبعين يوما للنساء العاملات في فنادق المجموعة في الكويت ولبنان.
وإنطلاقا من دعم المجموعة لمبادرات دعم النمو الوظيفي للنساء في الشرق الأوسط، وبخاصة في المملكة العربية السعودية، وتشجيعها على أن تصبح رائدة على صعيد سياسة الأمومة في هذه المنطقة، حرصت السيدة/ أبو جودة على تعزيز رؤيتها نحو تحقيق العدالة بين الجنسين على أكثر من صعيد. فعمليات الإشراف على التسويق والإتصال تشمل كامل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا،والتي لا تعد فقط المنطقة الجغرافية الأوسع من حيث المسؤولية بالنسبة للمجموعة،بل من أكثر المناطق تنوعا ( تشرف أبو جودة على أكثر من 110 فندقا من فنادق المجموعة والعاملة في 28 دولة من دول المنطقة ).
” أعتقد أن على النساء الحديث عن أنفسهن، وعدم الاستسلام للمعيقات التي تواجههن. إننا نحتاج إلى تعديل النظرة السائدة التي تقول أن المرأة لا يمكن لها أن تدعم المرأة، وأن ندرك أن الدعم المطلوب يمكن أن يأتي من العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء، وهو أمر ضروري لتحقيق النجاح في النهاية. وأخيرا وليس آخرا، كنت دائما أردد أننا نحتاج أن نتعلم كيف نطلب ما نحتاجه، وتذكر قيمتنا. “
من المبادرات التي أطلقتها المجموُعة مؤخرا إنشاء شراكة مع Evolvin Women لتمكين الشركات من تطوير مهارات النساء الريفيات غير العاملات، ومساعدتهن على إيجاد فرص عمل في القطاع الفندقي، ومنح النساء العاملات إجازات أمومة مناسبة، بالإضافة إلى دورات تدريبية وتطويرية مستمرة. وهنا، تأمل أبو جودة بتشجيع المزيد من النساء على الالتحاق بمثل هذه الدورات.
لم تكف أبو جودة بطرح المزيد من المبادرات لتمكين المرأة في العديد من المجالات كالتطوير والتدريب. فعلى الرغم من أن المجموعة قد أنشأت سابقا عدة برامج تركز على تدريب المرأة حول مهارات القيادة، إلا أن هدفها الأساسي هو دعم المرأة في الشرق الأوسط على صعيد التواصل، وكيف يمكن لها أن تصنع التأثير المطلوب. أمر آخر تسعى أبو جودة للتركيز عليه وهو المرونة على صعيد سياسات المجموعة وتعزيزها وضمان ألا تشكل أي منها عقبة أمام تطور المرأة وتقدمها. وهذا الأمر بلا شك يتفاوت مابين منطقة وأخرى، وهنا يجب النظر إلى الأمور من زاوية ظرو ف العمل التي يجب أن تحقق المرونة المطلوبة بالنسبة للنساء المديرات. وأخيرا، ركزت أبو جودة على تغيير السلوكات وبخاصة التحيز والواقع السائد في منطقة الشرق الأوسط وتخطي العقبات الثقافية والقانونية التي تعوق عمل المرأة في النهاية.
” أنا فخورة جدا بالجهود التي تمخضت عن كل هذه النتائج والنجاح الذي تحقق في منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد في المملكة العربية السعودية. وقد تبدى هذا النجاح في زيادة عدد النساء العاملات من ستة موظفات في عام 2014 إلى أكثر من 150 موظفة هذا العام. وهو أمر استثنائي. ويدل على نجاح الجهود التي بذلناها، وتشجيعا لنا على رؤية قطاعات أخرى تحذو حذونا. من خلال ترسيخ حالة التنوع في مجموعتنا، فسوف نصبح أكثر قدرة على تحقيق احتياجات العملاء، وتحقيق التواؤم والتوازن الذي يقود في النهاية إلى إسعاد جميع موظفي وموظفات المجموعة، وهذا بلا شك يعني التقليل من معدل دوران القوى العاملة وإنتاجية أعلى، وأننا اتبعنا الطريق الأنسب للوصول إلى ما وصلنا إليه. إن أمورا مثل الجنس والعرق والهوية الثقافية لا يمكنها التأثير على قدرة الإنسان على تحقيق ما يصبو إليه، وأن على الجميع أن يدرك هذه الحقيقة. ” أضافت أبو جودة.
على مدى العقود الماضية، نما قطاع الفندقة والسياحة بصورة مطردة، وزادت معه فرص العمل. وبالرغم من هذا النمو، لم يكن الموظفين والموظفات بنفس السوية من حيث الاستفادة من هذا النمو. وعلى الرغم من أن نسبة النساء العاملات في قطاع الفندقة عالميا تقارب 45% من إجمالي العاملن فيه، إلا أنه مازالت هناك بعض الدول تعاني فيها النساء العاملات في هذه القطاع وغيره من التمييز على أساس الجنس. ومع ذلك، فإن فرص المساواة في هذا القطاع واعدة وهناك حاجة لبذل المزيد من الجهد للتخلص من الأفكار النمطية المسبقة حول عمل المرأة، وتعزيز مفهوم ريادة الأعمال والقيادة في أوساط النساء العاملات في القطاع الفندقي.